.وقد اعطى الفيلسوف الالمانى ليبتز صيغته على الشكل التالى )لاواقع يمكن ان يكون موجودا ولاحكم يمكن ان يكون حقا الا وتكون هناك علة كافية لكونه كذلك لاعلى خلافه. وان كانت العلل فى الغالب لايمكن ان تكون معروفة لنا لقصور العقل الانسانى عن ادراكها( ومع ان اراء الفلاسفة والمفكرين فى كلامهم عن علة الاشياء قد تنوعت فان الغالبية العظمى منهم قرروا الى انها علة غير مادية وغير مشابهة لما فى هذا العالم ويقول سبنسر )اننا مضطرون الى الاعتراف بان الحادثات مظاهر قدرة مطلقة متعالية عن الادراك(.وهكذا اصبح القول بوجود اله هو التفسير المنطقى لهذا العالم وصار الاعتقاد بالالوهية محور كل تفكير فلسفى واثبات الالوهية فى الاسلام يقود على ذلك المبدأ العقلى الفلسفى اى طريق الاستدلال بالعلة الفاعلة لكننا لانستطيع ان نفهم كيف يمكن لشىء منها ان يحدث ذاته بلا علة ثم الارتقاء فى تسلسل العلة الفاعلة الى مالانهاية بل لابد من الانتهاء الى علة اولى والافانه لايوجد شىء لان كل علة فاعلة سابقة هى علة لما يليها فلابد من الانتهاء الى علة فاعلة لاعلة لها وهى الله تعالى. لان خروج الموجود الممكن الى حيز الوجود لابد ان يسبقه وجود موجود واجب والا لما حدثت الممكنات اصلا وهذا الموجود الواجب الوجود يجب ان يكون واحدا عاقلا ازليا مطلقا لايتغير يستحق كونه العلة الاولى لكل موجود. فالاشياء الحادثة لايمكن ان تكون قد احدثت نفسها فذلك تناقض عقلى كما ان الاشياء الحادثة لايمكن ان تكون قد حدثت من غير علة فذلك امرا مرفوض عقلا والعلة الاصلية اى ذات الله امر لايدرك ولايستطيع ان يحيط به العقل ولايمكن تفسيره تفسيرا منطقيا لانه فريد فى وجوده فلاتحيط به المدركات الحسية التى لايمكن ان تخرج عن حدود الاشياء الحادثة. وفىهذا التعليل الفلسفى رد مفحم على من يقول ان فكرة الالوهية هى فكرة غيبية لاتخضع لنقاش علمى ويقول الدكتور كرونين )اذا تأملنا الكون واسراره وعجائبه ونظامه ودقته وضخامته وروعته لابد ان نفكر فى اله خالق( ويقول جيمس جينز)لايمكن ان تكون المصادفة هى التى اوجدت هذا الكون( وفى هذا المعنى يقول الكندى)كل ماجاء به الدين الاسلامى يمكن ان يفهم بالمقاييس العقلية التى لايرفضها الا جاهل( ويقول ابن رشد)لما كان الدين حقا فانه لايمكن ان يناقض العلم البرهانى لان الحق لايضاد بل هو يوافقه ويشهد له( ولذا يصبح الايمان بالله باعثا على احترام حكمته والاقرار بها فيكون العلم مؤيدا للايمان. ويقول سيد قطب )بأن القول بسبب اول للوجود يقتضى ان يكون هذا السبب واجب الوجود فى ذاته وليس محتاجا لغيره لكى يوجد. اما ان تكون العلة الاولى فى حاجة الى علة لوجودها فان ذلك يجعل العلة الاولى حلقة من حلقات لاتنتهى ولايتصور عقليا ان تكون سببا اولا فى ذاتها والذى يقود الى ذلك الادراك هو صوت الفطرة وحدس البداهة ولايصح للعقل ان يقيم نفسه حكما على اساس مدركات الحواس. ذلك لان المدركات العقلية تبدا من المنظور والمحسوس فهى عملية جمع شواهد واستنباط نتائج وكثيرا مايثبت فيما بعد ان كل ذلك عرضة للخطأ والتصويب(.ويقول الدكتور مصطفى محمود فى كتابه رحلتى من الشك الى الايمان)اما القول بأزلية الوجود لان العدم معدوم والوجود موجود لهو جدل لفظى لايقوم الا على اللعب بالالفاظ والعدم فى واقع الامر غير معدوم وقيام العدم فى القصور ينفى كونا معدوما والعدم هو على الاكثر نفى لما نعلم ولكنه ليس نفيا مطلقا مساويا للمحو المطلق(. ويقول وليم جيمس )ان الحياة تستحق ان نحياها اذا اعتقدنا بأن هذاالعالم ليس الا جزءا من الوجود وانه يوجد الى جوار عالمنا المحسوس قوى روحية خالدة موجودة فى عالم غير مرئى وهذا يفسر السعادة الروحية والنفسية التى يحسهامن امن بالله(. لقد .كانت النزعة الروحية والفلسفات الميتافزيقية تسود عقول الناس فى العصور القديمة فكانوا يعتقدون ان الكون بشتى ظواهره مؤلف من مادة وروح وان وراء كل مادة روح تسيطر عليها والروح الكبرى فى الكون هى الله. اما الماديون فى العصر الحديث فقد انكروا النزعة الروحية القديمة وصاروا يجردون الكون بصفة عامة من كل اثر روحى. فالكون فى نظرهم مادة فى مادة وهو يجرى حسب قوانين ميكانيكية لايمكن الانفصال عنها. ويقول هربرت سبنسر ) نحن مضطرون الى اعتبار جميع الظواهر كمظهر لقوة معينة تفعل فينا( والتى وصفها باعتبارها )غير قابلة للفهم وجبارة( حيث اعتبر ان ادراكها هو نفس الادراك الذى يقوم عليه الدين. اما برغسون فقد كان هو الاخر كفيلسوف صاحب مفهوم لتطور الكون انه كذلك ارجع التطور لقوة غيبية كامنة فى صميم الكون هى)الدافع الحيوى او قوة الحياة( وكذلك قال لويد مورغان باننا لايمكننا الا ان نعترف بوجود قوة كامنة فاعلة فى العالم وقد شخصها باعتبارها )خالقة العالم( فى كتابه التطور المنبثق. اما الفيلسوف وايتهيد فقد ذكر فى كتابه عملية التطور والحقيقة ان جميع العمليات التطورية تقدم امثلة على تدخل كائنات خالدة فى عالم المكان والزمان. ان جميع هذه الفلسفات التى تشمل قرنا كاملا من الزمان تشترك جميعا فى اللجوء الى مبادىء روحية)الفكرة المطلقة الروح العالمى القوة المجهولة قوة الحياة الكائنات الحية( تنسب اليها عمليات التطور التى تحدث فى العالم. وينتهون الى ان العالم ينكشف للمعرفة الحقيقية كعالم روحى من حيث الجوهر وان وراء جميع الظواهر المادية اسبابا روحيا . وقد اعتبر هؤلاء الفلاسفة جميعا مهمة الفلسفة هى الكشف عن طبيعة مااسموه)بالمطلق( اى الحقيقة النهائية التى لم تكن تعتمد فى وجودها على اى شىء والتى تكون وحدة لاتتجزاء كما انهم جميعا اتفقوا على ان المطلق كان بمعنى من المعانى روحيا ان المطلق الروحى وحده كان الموجود الحقيقى بينما كان العالم غير حقيقى ومجرد مظهر . ان الاشياء المادية لم يكن لها وجود مستقل عن الروح المطلق وان جميع تجاربنا ونشاطاتنا التى نبدو معها اننا نحيا حياة مستقلة فى عالم مادى لم تكن الا جزءا صغيرا من الوجود الكلى الروحى للمطلق وان الفكر والعقل البشريين يتطوران من خلال العمل والتطبيق ويبرهنان على قدرتهما على ادراك جوهر الحقيقة الموضوعية والنفاذ اليها. اما الفلسفة الوضعية المادية فانها تنكر كل امكانية لمثل هذه المعرفة فالنظرة الماركسية المادية هى على نقيض هذه الفلسفات حيث ان ماركس يفهم العالم الحقيقى حرا من اية اوهام مثالية روحية دينية مسبقة حيث اعتبر كيفية فهم عمليات تطور العالم المادى فى الطبيعة والمجتمع بصورة علمية من دون اى اوهام مثاليةحيث يعتبرون هذه الفلسفة المثالية المطلقة هى فلسفة لااساس لها من الواقع بالمرة وانها تستند الى حجج مبنية على المغالطة الصرفة وقد رفضوا كامل فكرة ان)الحقيقة النهائية( هى واحدة لاتتجزاء وارتأوا عدم وجود مثل هذه الحقيقة النهائية بل فقط وجود اشياء مادية متعددة وكان هذا هو الاسلوب المادى الديالكتيكى وحسب منطقهم ومفهومهم للطبيعة والتاريخ وعملية التطور وهذه المفاهيم التى قدمها ماركس هى الادوات والاساليب لفهم طريق التطور بالاستناد الى عوامل يمكن تعيينها علميا تعمل ضمن العالم المادى نفسه دون الرجوع الى المجهول والى مافوق الطبيعة. وعليه فلا توجد اية حاجة لنسبة التاريخ الى)العمل الجبار للروح العالمى( ولاحاجة للجوء الى اية )قوة جبارة وغير قابلة للفهم( ولاحاجة لافتراض)قوة حيوية( او افتراض)كائنات خالدة( تتدخل فى العالم اى انه لاحاجة لوجود الله وحسب منطقهم المادى ان تطور التاريخ البشرية لايمكن تفسيره بالمثاليات التى جاء بها صموئيل الكسندر وبركلى وغيرهم من الفلاسفة الا ان المادية الديالكتيكية تعلم بانه يمكن تفسيره بطرق البحث التجريبى مع الاسترشاد بالمفهوم اليالكتيكى لعوامل التطور . وحسب المفاهيم المثالية الدينية لايحيط المستقبل الا ظلام دامس ويسخرون من جميع ذلك بأعتباره تأملات ضبابية. انها تنكر قدرتنا على معرفة جوهر الاشياء وتقصر كل المعرفة الممكنة على الحقائق الخاصة وعلى العلائق بينها. انها تنظر للعالم كمجرد مجموعة من الوقائع والاحداث الاقتصادية تكون فيها جميع العلائق خارجية وكل شىء يحدث فيها بالصدفة والفكرة الماركسية المادية بما تنادى به.من ان المادة والطبيعة والوجود حقائق موضوعية خارج نطاق عقلنا ومستقلة عنه وان المادة تاتى فى الصدارة لانها مصدر الاحاسيس والافكار والعقل وان العقل يتلوها ومشتق منها لانه انعكاس المادة وانعكاس الوجود وان الفكر نتاج المادة التى وصلت فى تطورها الى درجة عالية من الكمال وهى الذهن وعلى ذلك تنادى الماركسية باستحالة الفصل بين الفكر والمادة فى حين ان الحياة الروحية للمجتمع انعكاس لهذه الحقيقة الظاهرة . كما تنادى بانه يجب البحث عن مصدر الحياة الروحية للمجتمع من خلال المجتمع المادى فقط الا ان المادة وحدها لاتكفى على الاطلاق لتفسير احداث التاريخ والكون وسننها حسب المنطق والتفكير الماركسى كما ان الروحانيات وحدها لاتفسر وجود الحياة والتاريخ واحداثه تفسيرا مقنعا حسب رأى المؤرخ البريطانى توينبى.. فالفلسفة اذا لاتقف عند حدود المادة والروح بل يتعدى تلك الحدود كى يتعمق ويغوص فى منابع الدين وقد ارتبطت الفلسفة بمشكلة الدين وهى )علم الوجود( و)علم نظام الكون( ولاشك ان هذه الدراسات تعد من الابواب والمباحث الفلسفية الكبرى التى ترتبط بميتافيزيقيا الدين وبفلسفة الوجود وكلها مباحث تتناول وجود الانسان وتعالج فكرة الالوهية واصل العالم ومصيره وكيف نشأ العالم وصدرت الافلاك وحقيقة الكائنات والمخلوقات . وقد تفلسفوا كثيرا فى طبيعة الدين ووظيفته وقيمته الاجتماعية وبدراسة الطقوس والشعائر والقيم الدينية . ويمكننا ان نشير الى مختلف مسائل فلسفات الدين والاخلاق بالرجوع الى تعريف جامع دقيق يقول به فرجيليوس فيرم Vergililus Ferm )ان فلسفة الدين بحث فى موضوع الدين من الناحية الفلسفية ومن مسائلها طبيعة الدين ووظيفته وقيمته وصدق دعاواه. الدين والاخلاق صلة الله بالانسان من حيث الحرية والمسئولية الكشف الصوفى الصلاة استجابة الدعاء قيمة الصور التقليدية فى التعبير والشعائر والعقائد والطقوس والوعظ مسالة طبيعة الاعتقاد والايمان مسألة الالوهية ووجودها(. لاشك ان مسائل الاخلاق والدين انما هى مسائل فلسفية من الرجة الاولى حيث ظهرت فى تاريخ الفلسفة وعل مسرح الفكر الفلسفى الكثير من الدراسات التى تعالج )فلسفة الدين( وارتبط تاريخ الفلسفة الى حد بعيد بتاريخ الفكر الدينى فيعالج الباحث فى )علم تاريخ الاديان( تلك البدايات الدينية الاولية التى ظهرت بظهور الفكر اليونانى القديم والتى اختلطت بالعناصر والديانات الشرقية والتى امتزجت بالفلسفات الهندية والفارسية الامر الذى يجعلنا نؤكد على ان الفكر الدينى قديم قدم الفكر الفلسفى. وهناك مسائل جوهرية اثارتها فلسفات الدين والاخلاق وكلها مسائل تتعلق بمعاير الخير والشر والفضيلة والرذيلة ومن خلال كل هذه المسائل الدينية والقيم الاخلاقية يتطرقون الى ميدان علم الوجود وجود الله ونشأة العالم ومصير الانسان. لقد اقتحمت الفلسفة معاقل عريقة فى بحثها الامور الدينية والغيبية تلك الابواب الفلسفية الهامة التى ربطت الدين وفلسفة الوجود وليس الدين مجرد طقوس وشعائر دينية وانما يتصل الدين بمنابعه فى القلب والضمير عن طريق اخلاص النية فى الاتجاه بالتعبد والمناجاة بعيدا عن كل شعائر او طقوس وليست الصلاة مجموع افعال للجوارح نشاهدها فى حركات وسكنات ظاهرة انما هى موقف بين العبد وربه موقف يجيش بالشعور الدينى الفياض وهو موقف صوفى خالص يفيض جلالا وحبا وتغمره الخشية والرهبة. ان الشعور الدينى هو القوة الروحية الباطنية التى تسمو بالانسان فترفعه من عالم المادة الى عالم الروح وعندئذ يتجلى الله للقلب الانسانى وينكشف فى تجربة روحية خالصة. والله لايتصل الا بالانسان الفرد ولاينكشف الا فى عزلة او خلوة روحية حيث يشعر الانسان الفرد فى عزلته الميتافيزيقية بالحضور الالهى وبهذا المعنى يكون الشعور الدينى شعورا فطريا وهو شعور قديم قدم الانسان وهذه حقيقة يدركها البدائى كما يلحظها المتحضر لان الدين جوهر ذاتى كان فى جبلة الانسان مهما بلغت درجة بدائيته او تحضره ونحن قد نرى مجتمعات لاحظ لها من علم او فن او فلسفة ولكنا لانعرف اية مجتمعات بلا دين. فالانسان كائن متدين بالفطرة وكل انسان فيه افكار ومعتقدات دينية حيث ان الدين يتصل اصلا بمنابعه فى القلب لانه نزعة فطرية خالصة. لقد جاء الاسلام لتوضيح كل هذه الحقائق لانه دين الفطرة وقام بتوضيح هذين المفهومين المادة والروح واعطائهما مفهوما واحدا فى الفكر الاسلامى وطلب منا استخلاص الدروس والعبر فى هذه الحياة والكون من خلال العقل والمعرفة والانسان مادة وروح وهو لايستقيم ولايشعر بالسعادة والاطمئنان الروحى الا بأيجاد التوازن بين هذين العنصرين والمادة ليست الا وعاء الروح فى الحياة الدنيا فاذا كان الانسان يهدف الى تحقيق السعادة فى الدنيا فلن يصل اليها قط عن طريق اشباع رغائبه الحسية وحدها بل لابد من امرين اشباع الرغائب الحسية بحيث لايكون ذلك على حساب متطلبات الاشباع الروحى وثم اشباع الرغائب الروحية فى نفس الوقت. ولئن قيل ان الفصل بين الامرين واجب يقتضيه التخصص العلمى قلنا ان جواز الفصل بينهما يجب الا يتعدى مرحلة البحث النظرى لان واقع الامر وحقيقة الحياة يفرضان على كل باحث ان يأخذ معيار القيم الروحية فى اعتباره حين يدرس اى اشباع مادى مهما كان تلك سنة الكون التى لاجدال فيها. اما اصحاب النزعة الفلسفية العقلية فى العالم الاسلامى فانهم يعتبرون بان الفكر )العقل( سابق فى الوجود على المادة ولهذا فانهم يقدمون العقل على كل شىء فهم اذا يعتقدون ان المعلومات التى تصدر عن العقل البشرى هى الحقيقة الثابتة التى يجب على الناس الرجوع الى حكمها عند التنازع والاختلاف وهم يرفضون تقديم نصوص الكتاب والسنة على العقل والرفض هذا نابع من اعتقادهم وثقتهم بثبوت نتائج البحوث العلمية والدراسات الطبيعية . وان تقديم نصوص الكتاب والسنة يعنى عندهم تعطيل العلم والغاء العقل. انسى هؤلاء ان مصدر العلم هو اعمال العقل والمادة , ومصدر نصوص الشرع هو الوحى الالهى؟ فالفلسفة البشرية تخضع للخطأ والصواب , والمصدر والشريعة الربانية حق كله ولاياتيه الباطل , وليس فيه تناقض او اضطراب . فهل يمكن ان نقدم مايصدر عن المخلوق من فلسفات كثيرة على مايصدر عن الخالق ؟ هل نقابل ماانزل الله بالنظريات والفرضيات العلمية التى تصدر عن العقل البشرى القابلة للصواب والخطأ ,
2- اصحاب النزعة الفلسفية المادية: الفلسفة هى معرفة الانسان والطبيعة فأنها تنظر فى باطن الانسان وفى زواياه الخفية واسراره وعلاقته بالطبيعة. اما العلم هو معرفة الطبيعة وهى قائمة على الفكر والتحليل والملاحظة واجراء التجارب فى عالم المادة وهى جماع الاشياء والعمليات مرتبطة بعلاقات سببية وهذان النوعان من المعرفة متوازيان ومتزامنان مستقل كل واحد منهما عن الاخر ومن هذه الزاوية تعتبر الفلسفة اقرب الى العلم فبالرغم من ان موضوع البحث فيهما مختلف الا انهما يستخدمان المنهج العقلانى نفسه وكل تفكير سواء كان علميا او فلسفيا يؤدى الى النتائج نفسها او الى نتائج متشابهة . فالفلسفة حتى عندما تتناول فى موضوعها الانسان او الاخلاق تبقى بالضرورة على ارض الطبيعة ومن ثم تستطيع ان تستعير مناهج الرياضة والهندسة والاستنباط العقلى وهذا يفسر لنا لماذا لم تستطع الفلسفة الوصول الى الحقيقة الكاملة عن الحياة . وهكذا نرى فى غياب المنهج الريانى والتوجيه الالهى يعتاد الناس ان يجعلوا لانفسهم قواعد تساعدهم فى معرفة الصواب واسسا تعصمهم من الزلل وبهذه الطريقة نشأت الفلسفة وتكون المنطق اليونانى وهو من وضع البشر يحتمل الصواب والخطأ . لقد حاول اكثر الفلاسفة منذ القدم ان يعيروا عن جهدهم ووجهة نظرهم للوصول لمعرفة الطبيعة والسيطرة عليها ولفهم الانسان ومصيره فى هذه الحياة . وكان الفلاسفة الكبار يطورون الفلسفة حسب طرقهم الخاصة فى النظر للاشياء من علوم طبيعية والاخلاق وعلم النفس والمعتقدات الدينية وكانوا يعتبرون ان تلك الطرق الموقتة والمشروطة تاريخيا كحقائق خالدة وثابتة وان كل هذه العلوم قد اصبحت علوما على اقدار متفاوتة من العلمية البحتة ولكنها مازالت عند اصحابها تتعلق بالفلسفة حين يتعمقون فى علومهم ويتحدثون حديث فلاسفة لاحديث علماء . ان موضوع الفلسفة لايزال مفتوحا فى الحاضر والمستقبل ولاتزال مشكلات المعرفة والمقولات والمنطق موضوعات قائمة وستبقى حية خصبة مابقيت الفلسفة تمتد بجذورها فى اعماق الفكر الانسانى . هكذا كان طابع المدارس الفلسفية فى الماضى والحاضر .