معارض عالمية
احتلت العروض التشكيلية العربية مساحة رحبة من معرض فرانكفورت مطلع تشرين الاول (اكتوبر) ناهيك عن الكثافة البصرية للوسائط الكرافيكية والمعلوماتية وجحافل الكتب الفنية. تضمن البرنامج ندوتين (شاركت فيهما), الاولى بحثت تيار "الحروفية" وعالجت الثانية "الابداع النسائي".
راغب عيّاد الحصاد
تلونت العروض ضمن اوجه تعبيرية متعددة فكان هناك معرض خاص "بالقدس"
لصور توثيقية فنية بالغة الخصوبة, ثم معرض نخبوي جمعت فيه نماذج من الايقونات الملكية (السورية - اللبنانية) والقبطية (المصرية). نعبر بعد ذلك الى العروض الميدانية للحرفيات والصناعات الشعبية. برزت فيها سجاجيد "ويصا واصف" في الحرانية - مصر, ثم معرض الخط العربي بلوحات طرزه الشائعة الى جانب اللوحات الحروفية المعاصرة. متصلة جميعها بمعرض جمع نماذج فنية من الرسوم التوضيحية الخاصة بكتب الاطفال, هي التي جادت بها قرائح عدد من الفنانين المعروفين ابتداء من كوميسير الجناح حلمي التوني مروراً بعدلي رزق الله ويوسف عبدلكي.
يمثل جناح معرض "مختارات من الفن العربي المعاصر" مركز الاهمية.
تجمهرت على جدرانه 115 لوحة ومحفورة من 17 دولة عربية وغابت المغرب والكويت, واستبعد النحت. وقد اثار على جماله تساؤلات بسبب تباين مستوى الاعمال واختلاف عدد المشاركات لكل دولة. فالبحرين على ازدهار حركتها تمثلت فقط بلوحة قديمة لعبدالرحيم شريف مستعارة من مجموعة معهد العالم العربي وكذلك السودان التي تمثلت بدورها بمحفورة مستعارة لعمر خليل ولوحة باهته لدياب, ولم يكن تواضع مساهمة الجزائر وموريتانيا بأحسن حال. وكان هناك اجتزاء مجحف بحق الفن العراقي الذي نهب متحفه بالكامل فاستعيرت لوحتان واحدة للجميعي والثانية لكاكافيان, وعلى رغم ان الامارات العربية احسنت اختيار روادها الثلاثة: الريس ونجاح مكي وسالم فلم تحسن ابداً اختيار لوحاتهم. وشاركت تونس بـ11 فناناً, عزل جناحها خارج المعرض بسبب وصول لوحاتها متأخرة, وقد اختلط في اختياراتها الهواة بالرواد وحتى اكبر مصوريها التجريديين رفيق الكامل تمثل في لوحة واقعية استشراقية لا علاقة لها بتوهج اسلوبه. كما تبعثرت لوحات فناني المملكة العربية السعودية على رغم اهمية بعضها خصوصاً لوحات طه صبان وعبدالله الشيخ وزمان الجاسم وسيام.
رفيق شرف: عنتر وعبلة
واذا اعدنا التجوال في المعرض لاحظنا جدية المشاركات الاخرى, خصوصاً مصر التي بدت نموذجية بفضل كوميسير المعرض الفتان احمد فؤاد سليم, هو الذي قابل بين اعمال رواد كبار مثل راغب عياد وأحمد مرسي ومنير كنعان ورمزي مصطفى وشباب اثبتوا مواهبهم في المناسبات والجوائز العامة من مثال فكري والحفار عبداللاه والانشائيون من طراز حنفي والصفتي, مروراً بالجيل المتوسط: مصطفى عبدالمعطي وجاذبية سري, الداوستاشي ومزكور. على رغم ان المشاركة اللبنانية (13 فناناً) لم تكن اقل اهمية فقد كان اختيار اللوحات متبايناً في المستوى. ففي حين احسن انتقاء لوحات غيراغوسيان وعبود وشرف وجوني اسيء اختيار لوحات امين الباشا وإيفيت اشقر وساروفيم وطيبا والرواس وجرداق.
وكذلك كان شأن المشاركة السورية عشرة فنانين فقد تفوقت من الناحية التعبيرية ما بين المدرس وزيات وزعبي ونبعه وشلبيه وصابور وسعد يكن. توازيها مشاركة فلسطين بعشرة فنانين ابرزهم احمد نعواش وبركات, بلاطه وصالح خليل ولوحتان قديمتان لهزيحة ومنصور وارتبك البقية. اما الاردن فقد كان اشد احكاماً وأحسن انتقاء, قد يكون بفضل تنظيم الأميرة وجدان علي, التي شاركت هي نفسها بلوحة حروفية بالغة الرهافة الى جانب جالوس وخريس وشمعون ودحدله وحياري والدرة.
اما مشاركة قطر (ستة فنانين) فكانت جدية كالعادة على رغم ارتباك بعض الاختيارات لوحات الفنانين, هو الذي ميز لؤلؤة علي حسن الطباعية.
أحمد نعواش: العائلة
رتب المعرض في شكل متعاضد يتعذر فيه على المشاهد كشف تباين نسب المشاركة هذه, او بعض نقاط الضعف لأن الكوميسير خلط في خريطة "السينوغرافيا" اختيارات وزارات الثقافة والمؤسسات التشكيلية في البلاد العربية فبدا الترتيب على اساس ذوقي بصري قومي عام وليس على اساس التصنيف القطري (ما عدا تونس) هيأت له هذه "الاستراتيجية" ستر عورات اللوحات المرتبكة بعزلها في الزوايا والممرات الجانبية, وإبراز نقاط القوة عند جدران مفاصل المداخل من شتى الجوانب وفي الزوايا البارزة, محاولاً التعويض النسبي عن تقصير بعض البلدان باستعارة سبع لوحات من مجموعة معهد العالم العربي سدت ثغرات اساسية. فالمتفرج في تلك الحال لا يعلق في ذاكرته الا اللوحات النجومية وتغيب المتعثرة او الباهتة.
لكن العيب الذي لم تستطع موهبة الكوميسير تداركه هو ضيق المكان (الفراغ), فبدت اللوحات محتشدة, هو نفسه غير راضٍ عن ذلك مصرحاً بأن الفراغ لا يكفي الا لثلث اللوحات, ناهيك عن التي اضيفت منها بعد اخراجه للمعرض من طريق الوساطات. وكان قد اقترح الاقتصار على عشرة فنانين بارزين من خريطة الفن التشكيلي العربي إذ يعرض لكل واحد خمسة, ولم يقبل اقتراحه.
لا شك في أن المعرض يعكس على اهميته هذا المخاض والجدل بين موهبة الكوميسير احمد فؤاد سليم الاستثنائية في ترتيب المعارض, وبين روح الائتلاف "البيروقراطية" التي تسعى لإرضاء الجميع وعدم اثارة الحساسيات. لعل اكثر ما فضح هذا الارتباك هو الكاتالوك المرفق, فالعديد من صوره الطباعية لا تتطابق مع المعروضات, او تخالفها بالعدد او الغياب, لدرجة ان احدى الرسوم المعروضة في قسم كتب الاطفال تسربت الى المجموعة الفلسطينية فيه.
لكن نتيجة حساب الخسائر والارباح يظل المعرض مكسباً لا يستهان بتأثيره في اشاعة حساسية الفن العربي المعاصر والتعرف ولو الجزئي اليه.
________